اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 116
لكن لا ينسلخ عن اللوازم البشرية مطلقا حتى يتصف بمقتضيات الألوهية والربوبية بل لا يزال العبد عبدا والرب ربا غاية ما في الباب ان الأشخاص البشرية في التجريد عن لوازمها متفاوتة فمن كان تجريده اكثر كان الى الله اقرب والى الفناء أميل والى البقاء أشوق والا فالسلوك لا ينقطع ابد الآبدين كما قال صلّى الله عليه وسلّم في الحديث القدسي حكاية عن الله عز وجل إلا طال شوق الأبرار الى لقائي وبالجملة ما للتراب ورب الأرباب حتى يتصفوا بأوصافه فعيسى صلوات الله عليه وسلامه من جملة البشر وان ارتفع قدره وعلا رتبته عند الله وظهر منه بنصر الله خوارق خلت عنها الأنبياء عليهم السّلام لكن لا ينسلخ عن اللازم البشرية بالكلية بل لا يمكن هذا مطلقا وهم من ردائه رأيهم يدعون انسلاخه عنها بالمرة ويعبدون له كعبادته سبحانه وينسبونه الى الله بالبنوة العياذ بالله وبالجملة ما قدروا الله حق قدره لذلك نسبوا له سبحانه ما هو منزه عنه تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا
ولذا رد الله عليهم على وجه التنبيه والتعليم بقوله ما كانَ اى ما صح وجاز لِبَشَرٍ قد خصه الله من بين بريته لرسالته ونيابته سيما أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ المبين له الشرائع وَالْحُكْمَ المتعلق بأحوال العباد في معاشهم وَالنُّبُوَّةَ المتعلقة بضبط احوال معادهم ثُمَّ بعد ما اختاره الله واصطفاه بالتشريف الأتم الأكمل يَقُولَ لِلنَّاسِ الذين أرسل إليهم لهدايتهم وإرشادهم كُونُوا عِباداً لِي فاعبدوني عبادة خاصة كعبادة الله وخصصوها لي مِنْ دُونِ اللَّهِ وبالجملة ما هي وأمثال هذا إلا شرك غليظ وكفر ظاهر كيف صدر عن ارباب الولاية والنبوة الفانين في الله الباقين ببقائه المستغرقين بمطالعة وجهه الكريم وَلكِنْ قولهم لهم وأمرهم عليهم هكذا كُونُوا ايها الموحدون رَبَّانِيِّينَ مخلصين في عبادة الله ولا تكونوا شيطانيين مشركين فيها بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ يعنى كونوا ربانيين موحدين مخلصين بما تعلمون وتفيدون أنتم من الكتاب غيركم من المستفيدين من الأمور المتعلقة بدينكم وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ تقرءون وتأخذون أنتم من غيركم من المعلمين المفيدين وبالجملة لا يأمر ولا يوصى الأنبياء والرسل على أممهم الا هكذا
وَلا يَأْمُرَكُمْ رسلكم وانبياءكم اضلالا لكم أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ المبعوثين إليكم من عند الله أَرْباباً آلهة مستحقين للعبادة موجودين اصالة واستقلالا من دون الله أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ يعنى اتظنون ان يأمركم النبي المرسل لهدايتكم الى طريق التوحيد بالشرك والإشراك سيما بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ موحدون بمتابعته ورسالته أفلا تعقلون
وَاذكر يا أكمل الرسل لمن خاصمك من اهل الكتاب وقت إِذْ أَخَذَ اللَّهُ المدبر لأمور عباده مِيثاقَ النَّبِيِّينَ اى عهودهم الوثيقة المتعلقة بالامتثال والمحافظة لَما آتَيْتُكُمْ تفضلا عليكم مِنْ كِتابٍ مبين لكم ولأممكم الاحكام الظاهرة المتعلقة بالمعاملات وَحِكْمَةٍ مورثة لكم ولهم الأخلاق المرضية الموصلة الى التوحيد الذاتي ثُمَّ أخذ منكم المواثيق ايضا على لسان انبيائكم بانه متى جاءَكُمْ وعلى أممكم رَسُولٌ أرسل من عندنا على التوحيد الذاتي مع انه مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ من توحيد الصفات والأفعال لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ أنتم ولتبلغن على أممكم ان تؤمنوا له وتصدقوه وَلا تكتفون أنتم وأممكم بمجرد الايمان والتصديق به بل لَتَنْصُرُنَّهُ في عموم ما جاء به من مقتضيات التوحيد الذاتي وكيف لا تنصرونه مع ان مرجع جميع الملل والنحل انما هي اليه لذلك ختم بعثته صلّى الله عليه وسلم امر الإنزال والإرسال وبعد أخذ المواثيق الوثيقة منهم هكذا قالَ سبحانه مستفهما
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 116